Image Not Found

الكمة كانت عمانية.. والدشداشة.. والسفُن كذلك!

محمد بن رضا اللواتي – الرؤية

قبل أيام، تداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعًا مرئياً قصيراً من ضمن أنشطة أسبوع تُراث جمهورية كينيا، وتحديدا جزيرة “لامو”، هذا في بعض دول الجوار، حيث كان المقطع يظهر فيه مجموعة من أبناء “لامو” بالدشاديش والطاقيات العُمانية، لكن مقدم البرنامج – كيني من لامو – أوقع ذهولا في القاعة عندما خاطب الجمهور يصف ملابس فريقه الموجود على المسرح بأنَّها نفس ما يلبسه أهالي البلد المضيف!

استطرد المُقدم للبرنامج يقول إن هذا التشابه في اللباس إن دلَّ على أمر فإنما يدل على مدى تأثر أبناء “لامو” بثقافة بلدتكم وذلك عندما كانت سفنكم تجوب بحار كينيا للتجارة! في حين أنَّ أبناء ذلك البلد الذي احتضن أنشطة أسبوع تراث كينيا لا علاقة لهم، سواء بالدشداشة العُمانية التي لبسها الفريق المسرحي الكيني، أو بالكُمة التي ظهروا بها على المسرح! فهذا الطراز من اللباس طراز العمانيين فحسب.

بقيت أنتظر تكملة كلام المُتحدث، فلعله سوف يلتفت إلى خطئه ويُعيد تصحيح عباراته ليقول بأنكم تلاحظون أننا ارتدينا اللباس العُماني لننقل لكم مدى تأثرنا بالعمانيين عندما هاجرت قبائلهم إلى بلدنا، كالجلندانيين والنباهنة. وجابت سفنهم بلادنا، وإلا، فالتاريخ خير شاهد على الدور الذي لعبه العمانيون في كينيا بمختلف جزرها.

كتب نصر البوسعيدي في موقع “أثير” يقول: “ويذكر التاريخ أنَّ العماني سليمان بن نبهان بن مظفر النبهاني الذي هاجر من عُمان ليستقر في كينيا وتحديداً في جزيرة باتي قبل عام 599هـ، كانت تربطه علاقة ودّ، واحترام مع سلطان الجزيرة إسحاق بن محمد البتاوي، وهو من نسل حكام المنطقة منذ القرن الأول الهجري، وتقول المصادر التاريخية بأنَّ سليمان النبهاني حينما وصل إلى الجزيرة كان ذا ثروة، وقد كان أول ما فعله عند وصوله أن أرسل الهدايا إلى سلطان باتي وكبار وزرائه، كذلك قدّم بعض المؤن، والمساعدات لفقراء الجزيرة الذين أحبوا هذا العُماني الكريم القادم من شرق الجزيرة العربية. وفي ظل استقرار سليمان النبهاني في الجزيرة وازدهار علاقته الإيجابية مع السلطان إسحاق الباتي ترجم الطرفان هذه العلاقة الحميمة بزواج سليمان النبهاني ببتاوينا ابنة السلطان، فأدى هذا الحب، وتلك المصاهرة إلى تنازل السلطان إسحاق عن الحكم فيما بعد لصهره العُماني سليمان النبهاني سنة 599هـ، ليصبح بذلك سليمان أول حاكم نبهاني لجزيرة باتي الكينية لتبدأ من هذا التاريخ سلطنة بني نبهان تلك السلطنة العمانية الإسلامية العربية التي تولت حكم ساحل شرق أفريقيا لمدة طويلة بداية من عام 599هـ وحتى عام 1229هـ، وبلغ عدد سلاطينهم حوالي 32 سلطانا”. (منشور في 3 سبتمبر 2017).

لم يذكر المُتحدث ذلك بالمرة، كما نسي أن يذكر أنّ التواصل العماني مع جمهورية كينيا كان منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد. لقد نسي، أو ربما تناسى المُتحدث، كيف أنَّ زعماء “ممباسا” كانوا قد لجأوا إلى العمانيين يطلبون النجدة لتخليص بلادهم من الاحتلال البرتغالي، فجهز على إثر الاستغاثة تلك، الإمام سيف بن سلطان اليعربي جيشاً حاصر البرتغاليين في قلعة ممباسا على مدى سنتين و9 أشهر حتى سقطت القلعة بين أيديهم، هذا عام 1696 للميلاد. ثم عاد والي “ممباسا” “سليمان بن علي المزروعي” يطلب نجدة العمانيين لأجل حمايتهم من البريطانيين.

كل هذا وكأن الزمن قد طوى سجلاته تلك عن صفحات التاريخ وألقى بها في مردم العدم!

وإذا بالمُتحدث يقول لمستمعيه، بأن لهجتهم هذه قد تشربت باللغة السواحلية تأثرا بأبناء بلدتكم! في حين أنَّ البلدة المستضيفة لا يُتقن أبناؤها حرفًا من السوواحلية! كتب ناصر بن عبدالله الريامي في مجلة “شرق غرب” الثقافية، يقول: “وعلى الرغم من أنَّ هناك اتفاقاً بين جميع الفرقاء يُشير إلى أنَّ اللغة السواحيلية إنما هي من نتاج التعايشِ والتجانسِ والتزاوج والانصهار الاجتماعي بين الجنس العربي، من ناحية؛ والجنس الأفريقي البانتوي، من ناحيةٍ أخرى؛ لا يزال الجدل مُحتدماً حول أصل اللغة، من غير طائل. فهو لا يعدو أن يكون جدلاً سفسطائيًا غيرِ منتج. ما دمنا نسلم بأن السواحيلية هي خليط بين العربية والبانتوية؛ فإنَّ الثابت يُشير إلى أنَّ السواحيلية الحالية لم تظهر إلى حيّز الوجود قبل مطلع القرن السادس عشر، وهو تاريخ وصول البانتو إلى السواحل، من موطنها الأصلي في محيط دولة الكاميرون، في أفريقيا الغربية”. (عدد شرق غرب رقم 18، 2018).

لا شك في أنَّ الجهات المعنية بالأثر العماني وحفظه، ليست بالتي ستهمل تاريخ السلطنة المشرق ودورها الكبير في شرق أفريقيا، والمتحف التاريخي الدائم الذي افتتحته هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في قلعة ممباسا، إضافة إلى ترميم منزل والي ممباسا المزروعي، دليل على ذلك، ولكن قد ينبغي التنبيه إلى أهمية صد محاولات التشويه في زمن يتم فيه البحث عن الهويات التليدة لشرائها أو تقمصها علناً وفي وضح النهار.